علم ما فوق الوراثة Epigenetics

النظام المافوق وراثي الإبيجيني:

أدى التقدم العلمي السريع في علم الوراثة وفك شفرة المورثات البشرية كاملة الجينوم البشري عام 2003 إلى ماسمي بالثورة الوراثية والتي طورت التقنيات الدقيقة المستعملة في علوم الأحياء الجزيئية بسرعة مما أمكن في حوالي عام 2010 من التوسع إلى حقل جديد هو علم ما فوق الوراثة Epigenetics .

ويختص هذا الحقل بدراسة العلاقات ما بين الوراثة والمحيط الخارجي. ويقصد بالمحيط الخارجي أي عوامل تقع خارج الخلية يمكنها أن تؤثر على النظام الوراثي في داخل الخلية فتغير من المورثات أو سلوكها وبالتالي الصفات الوراثية للفرد. وسميت مثل هذه العوامل الإبيجينات Epigenes . وقد تكون هذه خارج الخلية وفي داخل الجسم كالمواد الكيمياوية الغريبة في الدم أو المرض أو قد تاتي من خارج الجسم تماماً كالعوامل البيئية وتأثيرات الجوع والمرض والتعرض إلى العوامل المسرطنة أو السامة مثل التدخين والمستحضرات الكيمياوية والإشعاع والفيروسات… إلخ. وتؤدي التفاعلات ما بين الإبيجينات والمنظومة المافوق وراثية المحيطة بالحامض النووي الدي اوكسي رايبوزي الحامل للمورثات في نواة الخلية إلى تعطيل أو تغيير التعبير الجيني لهذه المورثات مما يؤدي إلى تغيير نوعية البروتين المنتج ومن ثم الصفات الوراثية والوظيفية للخلية بصورة مكتسبة وهو ما يعرف منذ وقت طويل بالفينوتايب Phenotype .

 

علم ما فوق الوراثة Epigenetics

 

وخلافاً لما كان شائعاً إلى فترة قريبة فقد ثبت بأن النظام المافوق وراثي وليس المورثات هو الذي يسيطر على الفعاليات الوراثية للخلية وينظّمها ومن خلال جميع الخصائص الوراثية والوظيفية للجسم. أما المورثات فتقع كما نعرف الآن تحت سيطرة النظام الإبيجيني تماماً. كما أصبح معلوماً على عكس ما كان شائعاً أن حوالي نصف الصفات المكتسبة على إثر التفاعلات الإبيجينية في في أثناء الحياة يمكن أن تورث وتنتقل بين الأجيال. وتعرف هذه التغيرات الوراثية المكتسبة والمتوارثة الآن ب طبعات الوالدين Parental Imprints . أما النصف الآخر من التفاعلات الإبيجينية المسؤولة عن الصفات الوراثية المكتسبة فتمسح في عملية إعادة للبرمجة الوراثية تتم مرتين داخل خلايا التكاثر: مرة في مرحلة نشوء البويضة المخصبة وأخرى عند تكوين الخلايا الجرثومية الجنينية. وبهذا يولد الطفل بمساحة إبيجينية فارغة تمكّن خلاياه فيما بعد في في أثناء الحياة من اكتساب صفات جديدة أخرى كنوع من التأقلم أو كدفاع خلوي ضد العوامل البيئية والمحيطية الإبيجينات التي تؤثر في الخلايا 2013 Seisenberger .

المنظومة المافوق وراثية والتفاعلات الإبيجينية:

تتكون المنظومة المافوق وراثية من غشاء رقيق من بروتين الهستون “يعلب” خيط ال دنا DNA ويتداخل ما بين تلوياته بصورة متقطعة مكوناً ما يدعى ب “النيوكليوسوم” . وتترك بين النيكليوسومات أجزاء مكشوفة من الحامض النووي. كما تمتد من أطراف الهستون زوائد من نفس البروتين تعرف بذيول الهستون Histone Tails  هي نقطة التحسس الكيمياوي واستقبال العوامل المحيطية المتفاعلة الإبيجينات Bhudhavarapu 2013 . ويطلق على مجموع التفاعلات الكيمياوية المافوق وراثية فوق غشاء الهستون وبين خيطي ال دنا DNA في داخل النواة اسم الإبيجينوم Epigenome ومن أهم الجذور الكيمياوية التي تدخل في التفاعلات الإبيجينية هي جذور المثيل Methylation والفوسفات Phosphorylation والأسيتيل Acetylation واليوبيكويتين Ubiquitination والسومو .Maunakea 2010 Sumoylation

وتؤثر التفاعلات الإبيجينية على فعالية المورثات إما بتصميتها وهو ما يحدث في الغالب أو تضخيمها أحياناً. وفي كلتا الحالتين ستكون نتيجة التعبير الوراثي للخلية مختلفة تماماً وبهذا تتغير الخلايا ووظائفها تبعاً للتأثيرات والظروف الخارجية المهمة. ولكن اختلال التعبيرات الوراثية للمورثات بسبب التفاعلات الإبيجينية قد يؤدي أيضاً إلى تسرطن الخلية كما سيفصل أدناه.

أما تأثير هذه التفاعلات الكيمياوية الإبيجينية على المادة الوراثية في الخلية ففيما يلي خلاصة لأهم نتائج المدروسة لحد الآن:

1. تحوير بروتين الهستون ما حول الحامض النووي Modification Histone.

2. تصميت الجينات بواسطة آصرة المثيل الثنائية ما بين السايتوسين والكوانين المتقابلين على خيطي ال دنا DNA .Silencing Gene

3. تحوير الحوامض الرايبوزية ك ال رنا المراسل mRNA والذي يلعب دوراً مهماً في استنساخ المعلومات الوراثية من المورثات داخل النواة ونقلها إلى الهلام ليتم تصنيع المركبات الخلوية. ومثلها التفاعلات التي تؤثر على مجموعة الحوامض الرايبوزية اللامشفرة .Non-coding or ncRNAs

4. تحوير البروتينات المسؤولة عن إعادة تنظيم القواعد النيوكليوتيدية على خيط ال دنا Chromatine- DNA Remodelling Proteins في في أثناء فعاليات الخلية.

كما تم اكتشاف نوع جديد من الحامض النووي الرايبوزي سمي بال رنا المحفز enhancer RNA وظيفته تنظيم التفاعلات الإبيجينية وذلك ضمن نطاق ما كان يسمى سابقاً بال رنا الفائض RNA junk لعدم وضوح وظائفه أي أن هذا الحامض النووي لم يكن فائضاً على الإطلاق وإنما يلعب أدواراً مهمة في التنسيق طويل الأمد ما بين منظومة الهستون والأجزاء الإبيجينية الأخرى Susztak 2014 . كما تنظم فعاليات الكروماتين خيط ال دنا DNA في الكروموسومات هذه التفاعلات أيضاً بمختلف السيناريوهات المتوازنة التي تلعب دوراً حيوياً في تنظيم فعاليات الأنسجة وتميز الخلية وتطورها.

أما إذا اختل تناسق التفاعلات الإبيجينية فسيؤدي هذا إلى ظهور مجموعة معقدة من الأمراض التي تشتمل على المتلازمات الوراثية والاختلالات الأيضية كالسكر والسمنة والأمراض القلبية والعصبية والتخلفات العقلية إضافة إلى الأمراض السرطانية.

دور التفاعلات الإبيجينية في نشوء السرطان:

تشير الدراسات إلى أن التفاعلات المافوق وراثية مع المورثات التي تتضمن إزالة أو إضافة جذور المثيل بصورة عامة أم في مورثات معينة بالتحديد تلعب دوراً مهماً في التسرطن وهذا إضافة إلى التفاعلات التي تتضمن تحويرات واسعة على طول بروتين الهستون .Simmons 2008

وتسبب إزالة المثيل على نطاق واسع اختلالاً في توازن الكروموسومات وتفعيل الأونكوجينات مثل الراس r-ras والجينات المحفزة للانتشار مما يؤدي إلى مرحلة الابتداء ثم التحفيز في عملية تسرطن الخلية. كما يمكن أن يسبب مثل هذا التفاعل تفعيل مورثات النمو كما لوحظ في سرطانات القولون والكليتين.

أما إضافة المثيل فهو نوع آخر من التفاعلات المافوق وراثية المسرطنة. ويحدث بإضافة آصرة مثيلية بين قواعد السايتوسين والكوانين بالتحديد بين خيطي ال دنا DNA. ويؤدي هذا دائما إلى تصميت المورث فإذا كان هذا مسؤولاً عن تنظيم النموعن طريق إحباطه Tumour Supressor Gene أطلق العنان للخلية لتنمو وتتكاثر من دون سيطرة وهو أحد معالم السرطان.

ونذكر كمثال عملي تصميت المورث المسؤول عن صنع الإي. كاديهيرين E-Cadeherin وهو بروتين يلعب دوراً في إحباط النمو وتفشي الخلايا السرطانية الفصل الثالث. ومن الأورام المسببة عن هذا التفاعل هو سرطان خلايا الشبكية غير الناضجة Retinoblastoma مورث الآر.بي. Rb والبوليب السليلة الغددي القولوني Coli Polyposis Adenomatosis وبعض الأنواع الشرسة من سرطانات الثدي .Calmon 2015

وتؤدي التفاعلات الإبيجينية التي تحور بروتين الهستون إلى تصميت المورثات أيضاً وسرطانات البروستات واللمف والقولون والمستقيم 2010 Mohtat .

ومن الجدير بالذكر أن الأغذية الحاوية على مواد كيمياوية تعكس التفاعل المثيلي أو تعمل على إزالة جذوره الكيمياوية من الهستون أو من المورثات التي يمكنها أن تلعب دوراً في الوقاية من السرطان أو تأخير عملية التسرطن. وكمثال نذكر فصيلة الكرنبيات التي ثبت علمياً تأثيرها الوقائي في هذا المجال كما سيأتي بتفصيل أكثر في مقال قادم.

يمكنك اضافة اي تحديثات للمقالة في التعليقات.

– الكاتبة: الدكتورة مي رمزي طلحة الأرناؤوط.

طبيبة وباحثة أكاديمية مستقلة.
دكتوراه في السرطانيات  Ph.D جامعة لندن بريطانيا
دكتورة في الطب (. M.D )  جامعة جنت بلجيكا
أخصائية في السرطانيات والطب العام وطب التكاثر.

دكتورة مي رمزي طلحة الأرناؤوط

طبيبة وباحثة أكاديمية مستقلة .. دكتوراه في السرطانيات Ph.D جامعة لندن بريطانيا .. دكتورة في الطب (. M.D ) جامعة جنت بلجيكا .. أخصائية في السرطانيات والطب العام وطب التكاثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى